Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Nedroma, l'évolution d'une médina Arabisation et politique linguistique au maghreb Sanaa Hors les murs
Bibliographie Compte-rendus Entretiens Préfaces en arabe   باللغة العربية

Articles
خصوصيات الإسلام الفرنسي
.
Esprit, N°1, janvier 1998, p.52-65

يمكن للتأملات التالية أن تنطلق من هذه الفكرة المنسوبة إلى بعض المهاجرين الشباب من شمال أفريقيا الذين يعيشون في فرنسا: «أنا لست جزائريا، ولست فرنسيا، أنا مسلم!»، وهي فكرة تعكس مدى تعقيد المسألة وتفتح باب السؤال حول الدور الذي يلعبه الإسلام في فرنسا. في الواقع، يبدو الإسلامُ بوجه اجتماعي جديد يطرح مشكلة على المجتمع برمته. من جانب مهاجري شمال أفريقيا، لا يجد وعي عدم الانتماء إلى هنا ولا إلى هناك حلا سوى في التعلق بالإسلام باعتباره هوية جذرية. ولكن ردا على هذا، يُجيبُ، في نظر أغلبية الرأي العام الفرنسي، الشعورُ الواعي بهذا القدر أو ذاك بأنَّ الإسلامَ كما هو، بتجلياته الظاهرة (الحجاب والمساجد) ليس جزءا من المشهد الفرنسي: «إن أرادوا مساجد، فليبنوها في بلدانهم». هذه التناقضات التي طالما احتُملتْ بناء على فكرة أن «المهاجرين سيعودون إلى بُلدانهم في يوم من الأيام» تصطدم الآن بواقع الاستقرار النهائي لهؤلاء المهاجرين في فرنسا، والذي بلغ ذروته بحصول عدد منهم على الجنسية الفرنسية. تمَّ الاعتقادُ بوجود «علاج»، سيء بالتأكيد، لكنه مستخدمٌ على نطاق واسع، ويتمثل في ظاهرة الإقصاء: الإقصاء من مجال الاقتصاد، والسكن، والثقافة، وهو إقصاء يُطابق شعور الاستياء من تحمّل «سكان أجانب» لا يُعرَف ما العمل بهم. غير أنهم سكان يعرفهم الفرنسيون منذ فترة طويلة ما داموا مغاربيين في أغلبيتهم، ينحدرون من مستعمرات فرنسية سابقة، بل وحتى، في القسم الجزائري منهم، هم من سكان طردوا فرنسا سابقا ولا زالت تربطهم بها مجموعة من الصلات الملتبسة التي لم تتضح بعد. ولكن ها هي هذه لفئة من السكان تعيش في فرنسا، وتطالب بأن تنضم كليا إلى فرنسا، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تتخلى عن تأكيد بأنها مسلمة. السؤال الذي يطرحه هذا العدد في المقام الأول هو: ما العمل بالإسلام في فرنسا؟ أي مكانة يجب منحها له؟ أكيد أن فرنسا قد أدمجت في الماضي أجيالا من المهاجرين: من إيطاليا، وبولونيا، والبرتغال. وإذا كان النبذ في تلك الحالات قد كان من القوة مثل اليوم، ما أدى بأولئك المهاجرين إلى الاندماج في نهاية المطاف في المشهد الفرنسي، فإنَّ ما يُخشى في حالة المهاجرين المسلمين هو أن يشكلوا نوعا من المجتمع المغلق. الموقف الرسمي هو رفض الطائفية - وهو الحل المعتمد في بريطانيا - بعدم السماح لهذه الساكنة بأن تظل منغلقة على نفسها. ولكن السؤال، بالنسبة لقسم كبير من الرأي العام، هو: «إن كانوا يريدون أن يكونوا فرنسيين، فلماذا يرغبون في البقاء مسلمين؟ عليهم أن يختاروا»، معبرا بذلك على أنه يعتبر الإسلام جيدا كهوية بالتأكيد، كنوع من الجنسية المتنافسة. بماذا يمكن الرد على ذلك؟ على الورق، تبدو الأمور واضحة. فالدستور الفرنسي يعترف بحق الفرد في ممارسة شعائره الدينية، يعترف بأن جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. لذا، يكفي تطبيق الدستور لحل جميع المشاكل. ولكنها طريقة تُنسي بسرعة أنه لا يتم حل إلا المشاكل المفهومة، وفي هذا الموضوع، هناك الكثير مما يقتضي الشرح. وجهة النظر التي أود أن أعبر عنها هنا هي: ترى أغلبية المهاجرين المسلمين في فرنسا، أو الفرنسيين المنحدرين من بلدان ذات ثقافة إسلامية، أن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو أساسا هوية جذرية. فبعد كسر الارتباط المحلي الناجم عن الهجرة، يبقى الإسلام تجربة أساسية ضرورية لتوازن الشخصية. إنه الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه هوية مدنية موافقة للاندماج، ومن ثم فرفضه من قبل المجتمع المضيف، أو من قبل المعنيين أنفسهم، لا يمكن إلا أن يضر هذا الاندماج، ويعرقل تحققه. ومن هذه الحقيقة، يمكن استخلاص نتائج مهمة في مختلف المجالات. الهوية الإسلامية حكمت الديانة الإسلامية لعدة قرون، على غرار الديانة المسيحية، منطقة ثقافية شاسعة حددت هوية جماعية وفردية. ولفهم هذا، يكفي التذكير بالحقيقة التاريخية المتعلقة بظهور الإسلام. فبتوجيه من النبي محمد، تأسست ابتداء من القرن السابع الميلادي عقيدة جديدة على أساس الإيمان بوحي تجسد في الكتاب (القرآن) وعدد من الجماعات. كان مجتمع شبه الجزيرة العربية، حيثُ ظهر الدين الجديد، يقوم على انقسامات قبلية وعرقية تندمج أحيانا في مجموعات حضرية. وتمثلت أصالة الرسالة الجديدة في تجاوز الهويات المادية القائمة على روابط الدم، بل وإلى استبدالها بهوية عالمية (على الأقل بالنسبة للعرب) تقوم على رابط روحي رمزي أساسه الإيمان بوحدانية الله وبرسالة نبيه. ورغم أن هذا لم يؤد بأولئك الناس إلى التخلي عن القبلية، فإنّه أفضى في نهاية المطاف إلى إنشاء هوية من نوع آخر. وباسم هذه الهوية الجديدة أحدث مسلمون من أصول عرقية وجغرافية وثقافية جد مختلفة رابطا بينهم يُحدد أحيانا أشكال تضامن حقيقية، ويُحدِّدُ على أي حال دائما وعيا بهوية إسلامية قوية. هذا هو الحال إلى اليوم، وهو ينطبق أيضا على مسلمي فرنسا. لعدة قرون، كانت هاتان الهويتان (العرقية والإسلامية) هما الوحيدتان المعترف بهما، وتعايشتا دون مشاكل إلى أن ظهرت الهوية الوطنية ابتداء من القرن التاسع عشر، فتسبب مجيئها في إزعاج للهوية الأولى بسبب الغموض الذي يلف الهوية القومية. فجذور الأمة تكون عموما جغرافية أو عرقية، أو متعددة الأعراق، ولكن الدولة التي تجسد الأمة تسعى لإضفاء الشرعية على نفسها من خلال مرجعية إسلامية، كما تسعى لتوظيف هذه المرجعية لصالحها (والحال أنها دولية في جوهرها). تسعى الدولة إلى تأسيس نفسها بوصفها كيانا مطلقا، ذو مرجعية نهائية، في حين لا يعترف المسلمون بهذه الصفة إلا للإسلام. هذا هو الحال في المغرب العربي بشكل خاص. الهوية الإسلامية في الجزائر كثيرا ما يقال إن المسلمين في فرنسا لا ينحدرون كلهم من المغرب العربي، وبالتالي فمن الضروري التفريق بين وجهات النظر. هذا صحيح في الواقع المادي للحقائق، ولكن ليس في فهمها. ففي فرنسا اليوم، يتشكل التفكير في الإسلام بعمق في قالب العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في شمال أفريقيا، وهي تونس والجزائر والمغرب. قد يقول البعض إن العديد من هؤلاء المسلمين الذين ازدادوا في فرنسا لا يعرفون هذه البلدان «الأصلية»، وأنهم لم يذهبوا إليها أبدا، ولا يتكلمون لغتها، وليس لديهم أي وعي بوجود صلة بها. سأقول حتى وإن كان الأمر كذلك، فمظهرهم («سحنتهم» الشهيرة) يدلُّ على أصولهم في نظر الرأي العام. هذا من جهة. من أخرى، حتى وإن كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك أساسا إنكارا لواقع مسألة النَّسَب برمتها، واعتقادا ساذجا بأنَّ وجود الفرد من بني الإنسان يبدأ به ومعه: ومن ثمة فقد يكون السؤال هو: «لماذا يشعر هؤلاء بأنهم مسلمون؟». أبسبب دعاية قادمة من الشرق الأوسط؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا استجابوا لهذه الدعاية؟ لفهم قضية الإسلام في فرنسا، يجب النظر في العلاقة بين الجزائر وفرنسا. فمركز التفكير في الإسلام بفرنسا يتم صياغته في الصلة بالجزائر. استُعمرت الجزائر لفترة طويلة، واعتُبرت فرنسية، وكانت العلاقات معها (ولا تزال) عميقة، وعدد كبير من سكان فرنسا عرفوا الجزائر، وعاشوا فيها، وشاركوا في تاريخها (كضباط، وجنود، ومناضلين أو مجرد مواطنين عاديين) والعكس بالعكس، إذ جاء ملايين الجزائريين إلى فرنسا، على مدى عقود، ليقيموا فيها طويلا بهذا القدر أو ذاك، سعداء بهذا القدر أو ذاك. هناك على الخصوص واقع أنَّ التاريخ يسجل، من وجهة نظر اجتماعية، سواء أعترفنا بهذا أم لم نعترف، يُسجلُ نَسَبًا حقيقيا على صعيد الدول كما على صعيد المجتمعات. لهذا السبب، سوف أضع تأملي في هذه الحالة الجزائرية، على أساس أن ما يقال ينطبق بدرجة أقل على البلدين الآخرين، وهما تونس والمغرب. والفرق بينهما وبين الجزائر هو أنهما قد حافظا دائما على هويتهما العامة. فقد حافظ نظام الحماية فيهما دائما على بنية رمزية قياسا إليها يستطيع كل مسلم في هذين البلدين أن يقول بأنه إلى جانب كونه مسلما فهو تونسي أو مغربي، أما الجزائري فلا يمكنه أن يقول سوى إنه مسلم... أو فرنسي. الإسلام في الجزائر خلال الاستعمار دعونا نسمي الأسماء الأولى: قبل استقلال الجزائر، كانت كلمة «الجزائريين» تطلق في اللغة الشائعة على المستوطنين من أصل أوروبي. أما سكان البلاد الأصليين، فكانوا يُسمَّونَ «مسلمين» أو «أهالي»، وبذلك فقد كانت مرجعية الهوية الإسلامية مقبولة على نحو جيد من لدن فرنسا حتى في اللغة الإدارية. من هذا المنظور، كان أولئك المسلمون يُعتَبَرون أيضا فرنسيين (من الدرجة الثانية، بمعنى أنهم «أهالي») لغرض ربط أراضيهم بمجموع التراب الوطني الممتد من «دنكرك إلى تامَنْرَاسْت». مالت سياسة فرنسا في الجزائر (عكس ما مارسَته في تونس والمغرب) باستمرار إلى محو معالم الهوية الجزائرية المحلية التي كانت من قبل تتشكل من مرجعية مزدوجة تتمثل في الأصل العرقي والإسلام. اتجهت سياسة فرنسا نحو تصعيد الانقسام بين الجماعات العرقية (من خلال سياسات بربروية [نسبة إلى البربر] بين سياسات أخرى)، ولكنها أيضا حاصرت الإسلام. فقد أزالت منذ السنوات الأولى جميع بنيات تعليم القرآن واللغة العربية بمصادرة مداخيلها. كان يُنظر إلى الإسلام ما صار عليه فعلا، وهو أنه خميرة المقاومة، والقطب الذي كان باستطاعة الفرد الجزائري أن يعتبر نفسه آخرَ غير مجرد فرد من الأهالي المحتقَرين. أنشأت فرنسا، عن طريق الغزو، الجزائرَ باعتبارها كيانا إداريا وجغرافيا أعطاهُ السكان المسلمين محتوى رمزيا مرجعيته الإسلام في حين منحَ المستوطنون والمسؤولون للكيان نفسه مرجعية فرنسا. وبذلك، وجد الإسلام نفسه في الجزائر مدعوا للعب دور مماثل لذلك الذي كانت تؤديه السلطنة في المغرب أو البيلَكَة في تونس، وهو دور المَرجع للهوية الوطنية. الإسلام في الجزائر غداة الاستقلال من المسلم به اليوم أنَّ الكفاح من أجل الاستقلال قد تمَّ أساسا باسم الإسلام، ولو أنَّ الزعماء كانوا يتوجهون إلى الرأي العام الدولي بخطاب تحرري ذي رنة سياسية. كان لغياب مرجعية وطنية أخرى غير الإسلام وقعٌ قوي على مصير الجزائر. ففيما اضطلع بتلك المرجعية الحبيب بورقيبة في تونس والسلطان محمد الخامس في المغرب، افتقرت تلك المرجعية في الجزائر لأي سند فردي أو جماعي توافقي. فقد فشلت جبهة التحرير الوطني، أو شخص مثل بن بلا، فشلا جليا في الاضطلاع بتلك المرجعية، وبذلك ظل قطب المرجعية في الجزائر هو ما كان إبان حرب التحرير الوطني: معارضة فرنسا في إطار تقابل بين الإسلام وفرنسا. يفسر هذا النمط الأجوف في الإحالة على الشرعية أهمية خطاب الحرب الذي لا تكف الحكومة الجزائرية عن محاولة تأسيس شرعيتها عليه (باتهام كل معارضة داخلية بأنها من صنع «يد أجنبية»، بما في ذلك عدو أمس وهو فرنسا). وفي صلة هذا النمط بالإسلام، فهو يفسر أهمية العامل الديني في تحديد الهوية الجزائرية، ومناورات السلطة السياسية لتضفي على نفسها شرعية الإسلام. بعيدا عن نقل الشرعية إلى السلطة الوطنية، فقد تجذرت هذه الشرعية في الإسلام أكثر ابتداء من سنوات الثمانينيات عندما فقدت السلطة جزءا كبيرا من مصداقيتها على إثر اتضاح فسادها وفشلها في العديد من المجالات. فباسم الإسلام ادعت الحركات الإسلامية التي ظهرت في الجزائر في ذلك الوقت أنها تمتلك شرعية، فأضعفت السلطة الوطنية أكثر. وبذلك، أصبح الإسلام في الجزائر ملاذا ضد السلطة الوطنية، واستعاد موقعه قبل الاستقلال، فوجدت السلطة نفسها تحدَّدُ بأنها سلطة استعمارية جديدة. بالتالي، فما الهوية الجزائرية؟ من الناحية القانونية، هي مرتبطة بالدولة ودستورها، لكنها مرتبطة رمزيا بفرنسا على شكل معارضة. إنها متجذرة، في الواقع، في جانب، في الأقاليم والمناطق والعشائر، وفي جانب آخر، في مرجعية تاريخية إسلامية. ويشكل هذا الإسلامُ مرجعا رمزيا قويا بغض النظر عن محتواه الذي يأخذ أشكالا مختلفة. لقد حاولت حركة الإصلاح بقيادة الشيخ عبد القادر بن باديس أن تستبدل ابتداء من ثلاثينيات القرن الماضي الإسلامَ القرويَ والحضري بإسلام عقلاني وحداثي، وامتدت هذه المحاولة بهذا القدر أو ذاك إلى فترة الاستقلال. أما الحركة الإسلامية، فقد حاولت على العكس أن تعطي للإسلام شكلا جذريا مستوردا من الشرق الأوسط ومشاركا بعمق في العمل السياسي أساسا. ومع ذلك، فمن المهم عدم الخلط بين إسلام السكان في الجزائر والإسلام الذي استوردته الحركة الإسلامية: فهذا الأخير يدعو إلى ممارسات مخالفة للممارسات المحلية على نحو يشعر به السكان. فإسلام هؤلاء يتميز، على العكس، بحرصه على الحفاظ على شخصية جزائرية مختلفة عن النموذج الذي كان يقدمه الاستعمار، والذي غالبا ما تبنته الحكومة الوطنية من قبل. الهوية الإسلامية دعامة للمعيش اليومي في الحياة اليومية للمغاربيين، وخاصة الجزائريين، الذين واجهوا لفترة طويلة وسطا ثقافيا أحسوا بأنه مسيحي ومستبد، يُنظر إلى معظم الاستعمالات اليومية بأنها علامات على الهوية الإسلامية. كان هذا ينطبق فيما سبق على طريقة طهي الخبز (في المنزل وفي الفرن)، والأكل واللباس، وقواعد الزواج، وإجراء تقسيم معين للفضائين الاجتماعي والمنزلي بحسب الجنسين والأجيال، ودفن الموتى. وباختصار، فقد كان ينطبق على كل ممارسة تختلف عن الممارسات السائدة في أوساط المستوطنين الفرنسيين. هذا هو السبب في أنهم كانوا يحملون نظرة سيئة إزاء كل السكان منهم الذين كانوا يتخلون عن الممارسات الإسلامية ليتبنى تصرفات الفرنسيين: كثيرا ما يُنظرُ إلى حالة المتجنسين والمتحولين (متورنيين)، وكذلك إزاء السكان «العصريين»، إبان فترة الاستعمار، باعتبارهم نسخة طبق الأصل من السادة الاستعماريين. هذا هو نوع المرجعي


Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Tel. 33.1.60 23 62 88
Mail : gilbertgrandguillaume@yahoo.fr