Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Nedroma, l'évolution d'une médina Arabisation et politique linguistique au maghreb Sanaa Hors les murs
Bibliographie Compte-rendus Entretiens Préfaces en arabe   باللغة العربية

Articles
 
.
«هل كان النبي ملكا؟»[1]


يستقطب الإسلام اهتمام وسائل الإعلام عندما يتجلى بأشكال عنيفة (الإرهاب) أو باطنية (الحجاب). والحقيقة أن هذه الأشكال تغطي عمق المشاكل المطروحة عليه.

ما يفاجئ لدى قراءة كتاب الفيلالي الأنصاري، والذي يبين كيف يواجه رجال أذكياء وشجعان هذه القضايا في سياق صعب، هو أن قضايا اليوم الملتهبة كانت قد طرحت منذ بداية القرن الماضي، ولكنها صادفت مقاومة عنيفة من قبل السلطات والآراء الشعبية على السواء. لذا، فالمشكل في أيامنا هذه مشكل مزدوج: لا يجب فتح باب الاجتهاد فحسب، بل وكذلك يتعين جعل هذا الاجتهاد يحظى بقبول رأي من السهل تعبئته ضد كل فكرة للإصلاح. أمام تحدي الحداثة، ظهرت ثلاثة تيارات: الأول يسعى إلى الرجوع إلى نقاء الإسلام وإعادة تأكيد القاعدة، الأمر الذي يفضي في أيامنا هذه إما إلى النزعة المحافظة الرسمية أو إلى الحركات الإسلامية المتطرفة. الثاني يرى أن الإسلام قد تعرض للتجاوز في السياق الراهن. أما الثالث، فيحاول إصلاح الإسلام من الداخل. هذا التيار الأخير هو مادة تأمل المؤلف في كتابه الحالي، فيتساءل عن إمكانية إصلاح الإسلام، والمشاكل المطروحة والحلول المقترحة.

الإصلاحيون الأوائل:

ظهر الإصلاحيون الأوائل منذ مستهل القرن العشرين، ولكن صوتهم تعرض للإخماد: انتقدهم زملاؤهم «الفقهاء»، ويتم متابعتهم في المحاكم وتحريف أطروحاتهم لتأليب الرأي العام ضدهم. في سنة 1913، أثار كتاب لمنصور فهمي[2] في موضوع أحوال المرأة في الإسلام ضجة في القاهرة؛ كذلك الأمر في عام 1926، عندما طرح طه حسين[3] مسألة قدسية اللغة العربية في صلتها بالشعر الجاهلي. ضجة مماثلة قامت سنة 1925 عندما طرح علي عبد الرازق سؤال «هل كان النبي ملكا؟»[4]، متسائلا حول مسألة الحكم السياسي في الإسلام. وعبده الفيلالي الأنصاري، الذي ترجم كتابه إلى الفرنسية، ينقل رسالته عبر كتابات أحد أتباعه، هو أحمد خلف الله الذي ألف سنة 1948 أطروحة حول «الفن القصصي في القرآن الكريم»[5]، هذا الفن المثير، أطروحة تعرضت هي الأخرى لجدل حاد. انطلاقا من هذا المؤلف ومؤلفين آخرين، خمسة عشر في المجموع، عرب وغربيين، يستعرض صاحب الكتاب الحالي وجهات نظر هؤلاء جميعا حول القضايا المفاتيح للإسلام، والتي يمكن تجميعها حول الوضع الاعتباري للشأن السياسي وقراءة القرآن.

الوضع الاعتباري للشأن السياسي في الإسلام

عن سؤال «هل كان النبي ملكا؟»، يجيب علي عبد الرازق ولاحقوه بالنفي. جمع النبي حوله جماعة من المؤمنين ونقل إليهم رسالة، ولكنه لم يرد تأسيس دولة. الدليل أنه لم يتوقع أي شيء في شأن خلافته، مع أنه كان على علم بقرب وفاته. يرى أحمد خلف الله (ص. 35) أن هذا الموقف كان نقطة أساسية للرسالة التي تركها النبي لأتباعه: بإلقائه الوحي الأخير، أراد إرساء قطيعة مع السلطات التي تتخذ السماء مرجعية لها، أي التي تشرعن نفسها بما هو فوق طبيعي. يرى عبد الرازق أن القرآن «أول وآخر كتاب منزل يعمل على تصفية الدولة الدينية وتعويضها بالدولة الدنيوية والديمقراطية، الدولة التي يتقلد زعماؤها الحكم باسم الشعب، عبر اختيار الشعب، وبغاية العمل لما فيه مصلحة للشعب». (ص. 35). ولتوضيح ما يمكن أن يبدو مفارقة تاريخية، فإنه ينتقد المفهوم الأساس لأنصار الدولة الإسلامية، الحاكمية، التي يترجمها هؤلاء باعتبارها «حكما»، ولكنه في سياق مقدس يعني «التحكيم»: بعيدا عن تكريس حكم إسلامي، تنكر هذه الحاكمية اللجوء إلى ما هو فوق طبيعي للحسم في الخلافات، مؤسسة على نحو ما أولوية للمعيار العقلاني في العلاقات بين الناس: «العقل البشري وحده هو المؤهل لتصور ووضع ما يلائم الناس على وجه أفضل» (ص. 36).

إذا كان هذا هو الخطاب الأصلي، فكيف تم الوصول إلى هذه الدولة الإسلامية المعروفة تحت اسم الخليفة؟ يتحدث المؤلفون هنا عن انحراف أصلي حصل منذ موت الرسول: انحراف تولد في تلك اللحظة، وليس بعد الخلفاء الأربعة الراشدين على نحو ما يظن أغلب المسلمين. يرى السوري محمد شحرور أن «القرون الثلاثة الأولى للهجرة شهدت تصفية الميراث النبوي وتعويضه بنظام شرعي وُضِعَ بكيفية تبقي الجماعة في حضن نظام سلالي، يرتكز على تحريف مثال الجماعة المفتوحة لفائدة نظام تستحوذ فيه طبقة واحدة مغلقة على جميع الموارد» (ص. 183). بعد وفاة الرسول، تم ارتجال خلافة، على رأس الجماعة، في غياب ترتيبات مشروعة مهيأة سلفا. هكذا، بالقوة والعنف فرض نفسَه حكمٌ مَلكي يدعي الانتساب إلى جماعة محمد. هذه الفترة «المثالية» للخلفاء الأوائل التي يقدمها تقليديو اليوم باعتبارها عصرا ذهبيا يجب الرجوع إليه هي في الواقع فترة مواجهات وخلافات، يعطينا كتاب هشام جعيط[6] فكرة دقيقة عنها. ومصلح «فتنة» الذي يطلق عليها يعني في آن واحد الخلل والامتحان والفوضى. تشكل هذه الفتنة، بالنسبة للجماعة الإسلامية، رضة أصلية قادت هذه الجماعة نفسها بعد ذلك إلى ألا يكون لها هدف آخر سوى الحفاظ على محيط سياسي أدنى، محدثة [= الرضة] شرخا بين المجتمع والدولة. هكذا سيقوم، منذ وفاة الرسول إلى هزات القرن XIX، تنظيم مزدوج: نظام سياسي يشرعن نفسه بالإسلام لكنه يفرض نفسه بالقوة، من جهة، وسلطة قانونية يديرها العلماء الذين يتخلى لهم الحكم عن تدبير الجماعة مقابل إبداء إخلاص للخليفة، من جهة أخرى. وهم يحافظون بغيرةٍ على هذه السلطة على الجماعة تجاه السلطة الملكية والمجددين. ومَا لم يكن سوى واقعة أنتجتها أحداث التاريخ، جعل منه القفقهاء قانونا - شريعة.

يحلل الباكستاني فضل الرحمان هذا الانحراف الأصلي: «في اللحظات الموالية لموت الرسول، تم إرساء بنيات سياسية تفيد من الدين، فنتج عن هذا الإرساء نوع من التنظيم والاشتغال للسلطات الدينية يفضل الاستعمالات المتطرفة للشأن الديني (القمع / الاحتجاج) ويرتب في الوقت نفسه إمكانيات تطور التصورات والمواقف الدينية بشكل مدروس ومتحكم فيه (ص. 230)».

هذا التوازن العريق تعرض للتشكيك من قبل الفتنة الثانية متمثلة في معاينة التخلف الرهيب للإسلام تجاه الغرب. إذا كان التقليديون قد شجبوا الاستبداد السياسي والجهل وكافة أشكال الدجل، فإنهم بحثوا عن الخلاص في إعادة فرض المعيار والعودة إلى الأصول. إلى أيامنا هذه يمجد الدعاة الإسلاميون إسلاما قانونا[7] مختزلا إلى طقوس حركية. قليلون هم المفكرون الذين يقدمون تأملا ينكب على عمق الأشياء، ولكنهم لدعم أطروحاتهم يقترحون قراءة أخرى للنص القرآني.

إعادة قراءة القـرآن

ملاحظة أولى: القرآن «رغم غزارة وشساعة التطرق للنص القرآني، فهو يظل ضحية عدم قراءة حقيقية (ص. 21)»، أسير خليط التأويلات والتفاسير، ولذا يجب العودة إلى الأصل. ولكن هنا تظهر مشاكل عديدة؛ فظروف تدوين النص غير أكيدة، ونظام السور لم يتم تبريره أبدا، والتقليدُ الذي يرى أن آية جديدة تنسخ أخرى قديمة يُسهلُ كافة ضروب التسخيرات في غياب معلومات حول كرونولوجية الوحي. يشكل النص القرآني مادة محاكاة مفرطة من لدن الإحالات المعزولة عن سياقها. أخطر من ذلك الجهلُ بالمعاني الأصلية للمصطلحات المستعملة[8]. نتيجة لذلك، ترتكز العديد من الخلافات بين المسلمين على سوء تفاهمات. يدخل المؤلفون مفهوم الأنواع الأدبية في القرآن، وهو يؤدي إلى التمييز بين الآيات التشريعية الواضحة والموضوعية نسبيا، والآيات ذات الطبيعة الرمزية أو الأسطورية. في الحالة الأولى، يجمعون على التمييز داخل الآيات بين مقاصد الشريعة والشكل الممنوح لهذه المقاصد في هذا السياق التاريخي أو السوسيولوجي، الأمر الذي يبيح لنا أحيانا منحَ الأولوية للمصلحة العامة على المظهر الحرفي للنصوص. يجب تفضيل غايات التعاليم الدينية على تأويلات الفقهاء الحرفية للنصوص. تلك هي الطريق التي انخرط فيها التونسي محمد الشرفي[9] ومفكرون آخرون.

الإصلاح، كيف؟

المشكلُ أن هذه الانفتاحات، سواء أتم التعبير عنها بالعربية أم بلغات أخرى، لا تمس حشود المسلمين الذين يظلون تقليديين كليا نظرا لثقل الماضي وتأطير العلماء. كان بوسع الحكومات العربية، وهي التي لا تتوانى في استخدام الدين لشرعنة نفسها، أن تطور المسألة بوضع ترتيبات تشريعية حول مدونة الأحوال الشخصية. وهو ما حاول أن يقوم به بورقيبة في بدايات حكمه. ولكن بدل تفضيل تطور للإسلام نحو فضاء للحرية واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي شكل أفقه الطبيعي، دخلت هذه الحكومات السلطوية في قوالب النظام القديم، ففضلت إسلاما محافظا مقدمة له تنازلات، للاستفادة في آن واحد من شرعية إسلامية ومن التأطير الإيديولوجي للسكان. والمجددون يصطدمون، في سائر الأنحاء، بمعارضة شرسة من قبل قاعدة خاضعة لتحكم وتوجيه العلماء وحكوماتهم في آن. المفكرون أنفسهم محاطون بخط أحمر، هو تهمة الردة التي يمكن أن تفضي إلى حكم بالإعدام (على نحو ما جرى لمحمد محمود طه في السودان عام 1985) أو الاغتيال أو النفي في أفضل الأحوال. تجاه وضعية مسدودة، وفي غياب سلطة عقائدية شبيهة بالبابوية، لا يرى محمد الشرفي حلا سوى في تدخل دولة تعرف التمييز بين وظيفتها الدينية ووظائفها السياسية. ولكن هذا الحل ينطوي على مخاطره: «كيف يمكن للدولة أن تواجه التزاماتها الدينية دون أن تصادِرَ الدينَ أو يُصَادِرَها؟ (ص. 231).

هذه الإشكاليات الصعبة يتناولها، بجرأةٍ، تيارٌ أقلي بالتأكيد، لكنه جاد وملتزم. يرافقه باحثون في العلوم الإنسانية غربيون، بعضهم يرفض رؤية الواقع لفرط احترامه الدين. اندهش جاك بيرك، بشكل سطحي، أمام غياب أية دراسة منطقية أو سيميائية للقرآن (ص. 44). لقد بدأت دراسات من هذا النوع ترى النور وتثير تساؤلات جديدة. من ذلك كتاب المستشرق الألماني كريستوف لوكسمبورغ[10] المتخصص في العربية والسريانية، والذي بقراءته النص الأصلي انطلاقا من لغة سريانية (وهو ما قد يكون مستعملا في ذلك العصر) توصل إلى منح معنى جديد لبعض الآيات الصعبة. يمكن تحقيق تقدم في فهم القرآن، ولكن سيكون من الصعب جدا جعل المؤمنين يستفيدون منه في اتجاه جعل إيمانهم يتفتح على العالم العصري.

ترجمة: محمد أسليـم
هوامـــش
[1] قراءة في كتاب: عبد ه الفيلالي الأنصاري، الإسلام؟ مدخل للسجالات المعاصرة، لاديكوفيرت، 2003، 248 ص (بالفرنسية). العنوان الأصلي للكتاب:
Abdou Filali-Ansary, Réformer l’islam ? Une introduction aux débats contemporains. La Découverte, Textes à l’appui, 2003, 284 pages, 21 €.
[2] Mansour Fahmy, La condition de la femme dans la tradition et l’évolution de l’islamisme, F. Alcan, 1913.
[3] طه حسين، في الشعر الجاهلي، القاهرة، 1926.
[4] Ali Abderraziq, L’Islam et les fondements du pouvoir, La Découverte, 1994.
[5] أحمد خلف الله، الفن القصصي في القرآن الكريم، مكتبة الأنجلو-مصرية، القاهرة، 1972.
[6] Hichem Djaїt, La Grande Discorde, Gallimard, 1989.
[7] حول هذا الموضوع، انظر:
- Olivier Roy, L’Islam mondialisé, Seuil, 2002
وقد عرضناه في «لاكانزين ليتيري»، عدد: 838، 16-30 شتنبر 2002.
[8] موضوع تطرق إليه يوسف الصديق في كتابه:
- Youssef Seddik, Le Coran. Autre lecture,autre traduction. Edit.de l'Aube, 2002.
وقد عرضناه في «لاكانزين ليتيري»، عدد: 841، 1-15 نونبر 2002.
[9] Mohamed Charfi, Islam et liberté. Le malentendu historique, Albin Michel, 1998. Cf La Quinzaine littéraire N°762, 16-31 mai 1999.
[10] Christoph Luxenberg, Die Syro-aramaeische Lesart des Koran; Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Qur'ansprache, Berlin, Das Arabische Buch, 2000, présenté par Rémi Brague, "Le Coran: sortir du cercle?", Critique N°671, avril 2003, p.232-251.


Gilbert GHrandguillaume

Anthropologue arabisant,
spécialiste du Maghreb et du Monde arabe.

Tel. 33.1.60 23 62 88
Mail : gilbertgrandguillaume@yahoo.fr